يقولون خلف كل رجل عظيم امرأة، تكون سندا له و تشجعه و تعينه، فرحه من فرحها و حزنه من حزنها.
هكذا كانت حبيبتنا أسماء بنت عميس مع زوجها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما و هي تسير خلف زوجها في يوم حار و مشمس مهاجرين بقلبيهما نحو الحبشة.
حياتها في الحبشة
ذاقت حبيبتنا هي و زوجها مرارة الغربة، لكنها كانت له الزوجة الصابرة، تحملت معه مرارة الوحشة و الحنين، و كلما اشتاقت للديار نظرت لوجه زوجها فاستبشرت و زادت حبا له و زادت صبرا، و كيف لا؟ و زوجها جعفر يشبه في خَلْقِه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صبرت حبيبتنا و تصبرت بالإيمان و جاء اليوم الذي سيلطف الله بقلبها النقي هي و زوجها، و يرزقهما الطفل الأول، طفل سموه عبد الله مثل القمر يشبه والده جعفر ، و جعفر يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم، و يا له من لطف! كلما نظرت له حبيبتنا تذكرت الأحباب و اشتاقت لجوار النبي صلى الله عليه وسلم.
و بعدها سترزق محمدا و عونا، و لا زال لطف الله و فرجه يطرق باب حبيبتنا فأخيرا سيعود المهاجرون للمدينة، ليفرح قلب الحبيبة أسماء، فتلقى لهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بكل فرح و بهجة و هو يقول عليه الصلاة والسلام " ما أدري بأيهما أفرح، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر".
وفاة جعفر رضي الله عنه
هاجرت حبيبتنا مع زوجها للحبشة و هي عروس والحنين إلى الوطن يملأ قلبها النقي، لكن هذا القلب يشغله الايمان بالله و رسوله، فأطاعت زوجها و هي تمشي وراءه تتبع آثار خطواته على الرمال، صبرت حبيبتنا و تصبرت فكانت لزوجها السند و العون.
سيأتي اليوم الذي يختبر الله فيها قلب الحبيبة و يبتليها بموت حبيبها و رفيق دربها جعفر، فقد رزقه الله الشهادة يوم مؤتة في السنة الثامنة للهجرة، فقد روي أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قد أخذ لواء المسلمين بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، ثم احتضنه بعضديه.
صبرت حبيبتنا أسماء و لم تقل إلا ما يرضي ربها و هي تتمنى أن تنال الشهادة كما نالها زوجها و كيف لا و زوجها الآن يطير في الجنة مع الملائكة، فقد أبدله الله دراعيه بجناحين يطير بهما حيث يشاء.
زواجها من أبو بكر الصديق رضي الله عنه
صبرت أسماء على تربية أبناءها من زوجها جعفر، و تحزمت بالإيمان وطاعة الرحمن، إلى ان تقدم لها أبو بكر الصديق بعد وفاة زوجته، فكانت له في مقام الزوجة المطيعة الوفية خاصة بعد توليه الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
اشتد علي الصديق المرض و أحس بدنو أجله، و قلب الحبيبة أسماء يحنو له و يتألم، فأمر أبو بكر الصديق أن تغسله زوجته بعد وفاته و طلب منها أن تفطر في ذلك اليوم لأنه أقوى لها، يا لقلب الصديق!! يرأف قلبه لزوجته حتى و هو في فراش الموت.
توفي الصديق صاحب رسول الله و ثاني اثنين، و مجددا تعيش حبيبتنا مرارة فراق زوجها للمرة الثانية و لكنها مجددا لا تقول إلا ما يرضي ربنا، فقامت و غسلت زوجها طاعة له رغم قلبها المنكسر لكنها نسيت أن تفطر كما أمرها أبو بكر و تذكرت في آخر النهار، فقامت و دعت بالماء و أفطرت رغم أنه لم يبقى الكثير لمغرب الشمس، و ذلك طاعة لزوجها حتى بعد وفاته حيث قالت رضي الله عنها "و الله لا أتبعك اليوم حنثا".
زواجها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه
بعد وفاة زوجها أبو بكر الصديق تقدم لها علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخو زوجها جعفر، و بذلك تولى رضي الله عنه الاعتناء بأبناء أخيه و أبناء الصديق، كانت له الزوجة المخلصة و كان لها الزوج الحنون و كل يوم كان يزيد إعجابه بها و بذكائها و ثباتها حتى في أصعب المواقف.
بعد وفاة عثمان بن عفان رضي الله عنه تولى علي الخلافة لتكون بذلك أسماء بنت عميس للمرة الثانية زوجة لخليفة المسلمين، فكانت له السند و تعينه على حمل الأمانة.
أسماء بنت عميس قصة الجدار الذي لا يهدم
رغم تداول الابتلاءات لكن هذا لم يزعزع من إيمان أسماء رضي الله عنها، بقيت على صبرها و قوتها لأنها تعرف أننا كلنا لله و كلنا إليه راجعون، فإيمانها بالله ألهمها القوة و الصبر.
كانت رضي الله عنها مثل الوردة التي رغم قساوة الظروف تنشر رائحة طيبة حولها، فكانت هي الزوجة المساندة الصابرة و الأم الصالحة و المرأة المسلمة التقية.
ختاما
أحيانا يكون رزقنا في هذه الدنيا ليس مالا و سلطة، فقد يأتي الرزق على هيئة شخص يدخل حياتك لينيرها رفيقا صالحا أو زوجة عفيفة أو ابنا بارّا، أو يمكن ان يكون رزقك هو محبة الناس لك و قلب طيب، و هذا أجمل أنواع الرزق.
تعليقات
إرسال تعليق