في زمن كان فيه إنجاب فتاة عارا لأبيها حيث كانوا يقومون بوأد البنات لكن في منزل شريف عرف فرحة كبيرة بولادة ابنة ثالثة، في ذلك الوقت كان الآباء يدفنون بناتهم ظلما، لكن هذا الأب فرح بمولودته الثالثة فقرّت عينه بها هو وزوجته.
إنه بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في السنة السادسة قبل البعثة عرف هذا البيت الشريف ولادة أم كلثوم ثالث بنات الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، فرح بها كثيرا هو وزوجته خديجة أم المؤمنين وقلبه متيَقّنٌ أنها ستكون ابنة مسعودة وتقف بجانبه في السراء والضراء و فعلا كانت ابنة بارّة بأبيها و أمها و سندا له، وأختا حنونة بأخواتها.
زواج وطلاق ام كلثوم المحزن
تمر أيام وأيام وتتزوج رقية بنت الرسول صلى الله عليه و سلم، تقدم لخطبتها عثمان بن عفان و تهاجر بعدها معه للحبشة لتشهد حبيبتنا ام كلثوم فراق توأم روحها رقية ، لكنها لم تجد غير الصبر حلا لتلتفت و تجد اختها الصغيرة فاطمة الزهراء تنظر لها ببراءة، فتبتسم حبيبتنا لأختها فقد كانت بمثابة أم لها ترعاها و تعتني بها.
و تعيش حبيبتنا و هي تعتني بأمها و أبيها و أختها الصغيرة، و صبرت هذه المجاهدة لآلام الحصار و الجوع و ما عانوه من تعذيب المشركين لهم، لتقابل أباها بابتسامة أمل رغم أن قلبها يحترق على ما يمُر به أبوها في نشر دعوته النبوية، لتُظهر حبيبتنا القوة أمام المعاناة حيث أنها لم تشكُ يوما بل كانت مؤمنة بالله و حامدة له على كل شيء.
ليأتي اليوم الذي يعرف فيه بيت النبي صلى الله عليه وسلم حزنا كبيرا لوفاة أمنا خديجة رضي الله عنها، فتشهد حبيبتنا أم كلثوم لحظات مؤلمة و هي ترى أمها تلفظ أنفاسها الأخيرة، عاشت حبيبتنا في هذه الفترة الألم في كل دقائقها، لكنها مرة أخرى لم تجد غير الصبر حلا، لأنها ستجد نفسها وحيدة مع أبيها و أختها الصغيرة فاطمة الزهراء، لتستجمع قوتها لمساندة أبيها والاعتناء بأختها، صبرت حبيبتنا أم كلثوم و تصبَّرت حتى عجز الصبر عن صبرها.
و تمر الأيام لينكسر قلب الحبيبة
أم كلثوم لفراق شقيقتها و توأم روحها رقية، كانت بمثابة صدمة لها، لكنها و لمرة
أخرى لم تجد غير الصبر، فصبرت لفراق أختها كما صبرت لفراق أمها، لم تشكُ حبيبتنا
أبدا بل شكرت الله على قضاءه و قدره و قلبها يزهر بالإيمان.
و أخيرا سيأتي اليوم الذي سيفرح
فيه قلب الحبيبة أم كلثوم ، ليزهر قلبها الطاهر أخيرا، نعم إنه عثمان بن عفان
يطلُب يدها لتكون النور الثاني الذي يدخل بيته، فبعد وفاة أختها رقية تزوجها عثمان
بن عفان ليصبح لقبه ذو النورين لأنه تزوج ابنتين من بنات رسول الله، و يا له من
محظوظ، فيسعد بها عثمان و تسعد به لأنها تزوجت من تخجل منه الملائكة لحيائه و
خُلقه.
وهكذا تعيش الحبيبة أم كلثوم في منزل عثمان بن عفان ست سنوات دون أن تُنجب أولادا، فتصبر حبيبتنا على ذلك حامدة شاكرة لله، و تبقى زهرتنا على صبرها حتى يأتي اليوم الذي يداهمها فيه المرض، فتلفظ أنفاسها الأخيرة في منزل زوجها عثمان، فيتوجع قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على فراق ابنة أخرى من بناته.
أم كلثوم رضي الله عنها : النموذج الأمثل للمرأة المؤمنة
من عدم نجاح زواجها الأول و صبرها على الجوع و الحصار، موت أمها لتتحمل مسؤولية أختها و أبيها ، ثم موت شقيقتها رقية، لكن كل ذلك لم يغيّر من إيمانها و صبرها، و كانت دائما حامدة شاكرة لله عز و جل و مؤمنة أن حياتها السعيدة ستعيشها في الجنة و أن هذه الدنيا فانية لا محال.
أم كلثوم مثال الصبر والايمان بقضاء الله وقدره
قد تمر على حياتنا لحظات نظن أننا لن ننجو بعدها، فنشكو من ضيق الحال و قسوة الظروف و نلوم الحظ لأنه لم يكن معنا لكننا ننسى أن الأمر كله بيد الله.
لكن حبيبتنا أم كلثوم بقلبها المؤمن بالله لم تشكُ يوما من قسوة الحياة لأنها تعلم يقينا أن الله هو الرزاق و أنه هو الرحيم فصبرت لحكم ربها، لنجعل قصة أم كلثوم قدوة لنا فكلنا لله و كلنا إليه راجعون.
ختاما
أم كلثوم فقط مثال من واحد لعدة نساء حاربن في الحياة رغم ابتلاءاتها ، و هؤلاء النساء اللواتي يجب أن نعتبرهم قدوة في زمن قل ما نجد فيه قدوة لبنات الإسلام.
تعليقات
إرسال تعليق